قال تعالى ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ” المائدة – الآية الثالثة، و من هذه الآية نرى أن الله تعالى ارتضى للناس أن يكون الاسلام حاكماً لجميع أمورهم و لجميع العصور القادمة بعد تمام الرسالة .
لم يكن هذا الرضا محضاً بأحكام مصمطة في كل جوانب الحياة .. يجب على الناس ان ينفذوها هي فقط ولا يتعدوها أو يتطوروا إلى غيرها ، و لم يكن مقتصراً على العصر الذي تمت فيه الرسالة، انما – و هذا دليل على صدق الرسالة في حد ذاته – متعدياً متوافقاً مع تطورات الانسان غير ممانع لها في أي جانب من جوانب الحياة طالما التزمت بخطوط عريضة حددها الاسلام من عدم تجاوز الحقوق و عدم التعدي على الاخرين و عدم مخالفة الأخلاق العامة ، يرتضيها جميع من له عقل و يستطيع أن يزن الامور في كل عصر و مكان .
مثلاً في أمور الدولة و الحكم لم يقر الاسلام نظاما محددا للحكم بعينه لا تخالفه الأمة طول مئات السنين في أي عصر من العصور، انما اقر الأصول و الأساسيات التي طالما التزم بها نظام الحكم صار مقبولا اسلامياً، فنهى الاسلام على أن يقوم الحكم على التعصب لفئة معينة و هو هنا يقبل الاختلاف و أمر باعتماد الشورى و الالتزام برأي الاغلبية طالما كان في اطار الاسلام .
و نرى النموذج الاقتصادي فلم يحدد الاسلام للناس كذلك نظاما بعينه يسيرون عليه، انما قبل أي نظام لا يقوم فيه الكسب على احتكار أو استغلال أو ربا فاحش يضر بمصلحة الكل في سبيل مصلحة القلة، و للانسان أن يكتسب ما شاء طالما يؤدي حقه تجاه المجتمع، فلم يأت الاسلام برأس مالية عنيفة تسحق غير القادرين أو باشتراكية سطحية تسحق القدرة على العمل الفردي و التميز و التصرف في الأموال فلم يرتض الاسلام المصادرة مثلا دون و جه حق .
في الجانب الاجتماعي أمر أمراً عاماً بالتراحم و مساعدة المحتاج مساعدة تغنيه عن الحاجة من باب علمني كيف أصطاد و عيالة و كفالة من يحتاج للعون إذا لم يكن قادراً على الكسب.
لقد أعطى الاسلام اسس الاستمرار و لم يبن النظام الاسلامي على مواقف أو أحكام أو نصوص فحسب عندما يأت خارجها موقف جديد يتوه الجميع قائلين : لا نجد نصاً نعرف منه حكم الاسلام ، و لم يامر بمنع كل جديد أو اجتهاد فيقف الجميع متخبطين في عصور ظلاميه لا يتقدم معها الانسان ، و يكفي النظر لتاريخ المسلمين في عصور الظلام الاوروبية و كيف كانت المدنية و الحداثة و التقدم في كل المجالات في بلاد المسلمين .
لقد حدد أسساً و مفاهيماً عندما يجد معها أي أمر يتم قياسه عليها بكل سهولة و من هنا كان مرناً متلائماً متوافقاً مع اي فكر جديد أو مكان مختلف و كانت النتيجة في النهاية وحيدة مضمونة طالما تم الالتزام بالنظام الاسلامي و هي التقدم و السعادة في الدنيا و الآخرة، و من هنا نرى عبقرية الاسلام الذي جاء ختاماً للرسالات الالهية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها كان دائماً ملائماً لكل العصور ، شاركنا برأيك.