اللغة العربية بين الركود والأمل مع قرب موعد عيدها

اللغة العربية بين الركود والأمل مع قرب موعد عيدها

لعل الناظر في حالنا كعرب يرى تاريخا عظيما فكان يتسم بالقوة والسيطرة على جميع بقاع الأرض ولكن في أحيان أخرى تمون السمة الغالبة هي الوهن والضعف والاضمحلال، ولكن على مدار كل هذا كانت اللغة العربية ذات شأنا عظيما، فالذي كان يغوص فيها ويتمكن منها ويطوعها لخدمة الفن الشعري، يكون ذا شأن عظيم حتى في أضعف اللحظات التاريخية، ففي الأندلس عام السقوط وما بعده كانت اللغة هي الوسيلة الأسمى التي حافظت على هوية المورسكيين.

ولننتقل من العصور الذهبية للغة العربية إلى أوائل القرن الماضي، وبعد دخول الإنجليز مصر واستقروا فيها ودخول وتوغل الجاليات الأجانب في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المصرية، فقد ظهر معهم تيار يدعو بأن اللغة العربية غير قادرة على احتواء الألفاظ الجديدة وأنا والله لا أعرف هل الذي قال هذا غبيا أم جاهلا أم مدلس وفي الأغلب الأخيرة، فإن الترجمة سمة من سمات اكتساب معنى جديد لأي لغة ومنها الإنجليزية التي تقول على علم الجبر  algebra وهي في الأصل عربية فهل من الممكن قول أن الإنجليزية لا يمكن أن تحتوي المحدثات الجديدة، بالطبع لا، قس هذا على اللغة العربية فإنها لغة اشتقاقية تتسع لاشتقاق ألفاظ جديدة من ألفاظ موجودة بالفعل، كما يوجد باللغة ظاهرة التعريب وهو يعني لفظ غير عربي دخل اللغة وحدث به تغير مثل لفظة تلفاز التي جاءت من لفظة تيلفزيون وتغير في رسمها.

وقد أنشد حافظ إبراهيم قصيدته الشهيرة اللغة العربية تتحدث عن نفسها والتي قال فيها

أنا البحر في أحشائه الدر كامن            هل سائلوا الغواص عن صدفاتي

ولكن أيضا لن أغفل الجهود العظيمة التي بذلها المثقفون في أوائل القرن العشرين والتي أحيت الى حد ما اللغة العربية على لسان فئة معينة وهي فئة المثقفين دون أي من فئات المجتمع الأخرى.

ودعونا ننتقل بالزمن إلى سنين أخريات في القرن الماضي وتحديدا بالقرن العشرين، ونرى أن اللغة ما زالت داخل أروقة المثقفين بل ضف على هذا أن بعض مما ينعتون أنفسهم بتلك الصفة يكتبون بالعامية مثل يوسف السباعي في روايته الشهيرة السقا مات.

وقد غلبت العامية على أحاديث الناس وأصبحت هي القياس والفصحى هي الشاذ الغريب وإذا تحدثت مع شخص باللغة السليمة الفصيحة يستهجنوك ويستغربونك، بل يسخرون منك هذا ما وصلنا إليه.

المؤثرون في المجتمع وأحاديثهم باللغة العامية، بل عد قدرتهم على التحدث بالفصحى.

وأنا لا أغفل العاميات فهي ظاهرة طبيعية شائعة فالإنجليز عندهم عاميات وحتى اللغة العربية كان بها لهجات ومن الأحرى نطلق عليها عامية وأن اللغة المشتركة هي الأقوى حينها، ولكن الغريب بالموضوع هو أن تلك العاميات كانت مستهجنة والمشتركة هي الأقوى والأفصح ومن يستطيع أن يتحدث بالفصحى هو الأعلى هو الأرقى.

 

اللغة العربية بين الركود والأمل مع قرب موعد عيدها 7

عوامل ضعف اللغة العربية

والتساؤل هنا من الذي أضاع اللغة الفصحى، أقول وبلا حرج المعلم الذي يستخدم العامية في حديثه أثناء درسه بالعربية والذي لا يشجع الطلاب على التحدث بها وينسى أنه مكلف بتعليمها بالأساس، والأستاذ الجامعي في المجالات العلمية الذي يدرس مقرره باللغة الأجنبية، والمناهج القديمة التي لا تواكب العصر وطرق التدريس التي عفا عليه الزمن في المدارس والمعاهد والكليات التي تعني بدراسة العربية إلا ما رحم، للأزهر جهودا لا بأس بها، وبعض الكليات وبعض من الأساتذة.

والصحفيون الذين يلحنون بفجاجة وفظاعة في كتابتهم بالفصحى، فهم لا يعرفون أبسط قواعد اللغة مثل الفرق بين ألف الوصل وهمزة القطع، وكذلك تجدهم يكتبون الهاء بدلا من التاء المربوطة في نهاية الكلمات التي تنتهي بها.

الدعاة الذين يتحدثون بالعامية على المنابر، ولي كل من حفظ كلمتين يستعلي المنابر

وأن ضعف التأليف في هذ الموضوع وعدم تبني رؤية واضحة للتحدث باللغة العربية الفصحى من قبل المؤسسات المعنية أيضا من عوامل اندثارها على لسن أهلها.

ولكن في ظل كل هذا، ثمة بوادر أمل وبذور إحياء اللغة وهي قنوات اليوتيوب التي سخرت وقتا طويل للحديث عن العربية ومهاراتها ومنه قناة عارف حجاوي وأحاديثه عن العربية في برنامجه اللغة العالية، وقناة عنادل التي تجاهد لإثراء هذا المحتوى لصحابها عاصم السيد.

ويظل السؤال مطروحا متى نسمع المتحدثين يشدون باللغة العربية؟