درجة الدكتوراه هل هي حلم ؟أحياناَ يخطر بعقولنا تسأل ليس من السهل أن نجد له إجابة، نولد في الحياة دون أن ندرك حقيقة أننا ولدنا لهدف معين لم نعرفه، نجد أنفسنا في ظل دروب واسعة تفتحها الحياة الواحد تلو الأخر، طرق نشعر للوهلة الأولى بأنها أكبر من أن نعبر من خلالها، ولكن مع بداية المسار نرى أنفسنا، نتفهم لماذا وطئت وقدمانا الحياة منذ البداية، نشكل الصورة التي من أجلها خلقنا والتي أصبحنا على استعداد تام بأن نعيش ونموت في سبيلها.
5/ 9 / 1994م ولدت فتاة في الصعيد الجواني وبالتحديد في مدينة قوص، خرجت لتجد نفسها الابنة الأكبر لوالديها من أصل بنتين، أمها وحيدة على 7 أولاد، والدها ولد وحيداً مع 6 بنات، كان والدها قبل أن يحال على المعاش يعمل كمدرس وسائل معرفة بمدرسة ثانوية، عرف عن والدها بأنه مثقف ومحب للقراءة، كانت تلك الظروف التي تمتع بها بيتها من العدد القليل للإبناء، مع الكثير من الكتب التي كانت ملكاً لوالدها، دفعتها لأن تكون كثيرة الإطلاع شغوفة بالقراءة، كان من الطبيعي أن تتشكل ملامح هواية كتابة القصة القصيرة وبعض الخواطر التي وردت على عقلها من الحين للأخر.
فاطمة محمد، عاشت كفتاة صعيدية تحمل العادات، وتحترم التقاليد، توقر والداها الذين حرصوا منذ صغرها أن يوفروا لها حرية الاختيار، وكذلك حرية التعبير، كذلك نظرة الإيمان بقدراتها التي لطالما وجدتها في أعين والداها، كان لخالها دور كبير في التأثير عليها، حيث عمدت منذ صغرها على الاقتداء به والتعلم منه بسبب طبيعة عمله كصحفي، مع اتباع سياسة النصح و الإرشاد من جانب والداها تشكل لديها نوع من أنواع الحوار الدائم بينها وبينهم مما ساعدها على أن تترعرع في بيئة سوية.
مشوار فاطمة الدراسي بدأ بداية جيدة في المرحلة الابتدائية، ولكن تغير الوضع في الإعدادي وأصبحت متواضعة على المستوى الدراسي، أتت مرحلة الثانوية العامة وما أدراك ما الثانوية لعامة المصرية !، البعبع الأكبر والأضخم الذي يعرفه الطالب منذ أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية وحتى أن يشهده أمام عينه، نتعامل مع الثانوية العامة في مصر بأسلوب خاص ونصنفها بتصنيف عنصري نوعاً ما، الطالب المصري لا يحمل لواء التفوق الدراسي في نظرنا إلا إذا انتمى للشعبة العلمية، أما هؤلاء الذين يندرجوا تحت راية القسم الأدبي فهم أقل في المستوى بالطبع !، وعلى عادة النظرية المصرية صارت فاطمة دخلت شعبة العلمي علوم والتي دخلتها بدافع حبها للكيمياء والأحياء.
لم توفق فاطمة في الصف الثاني الثانوي، لتحصل على 84% مما باعد عنها وبين كلية الطب فقررت أن تنقل غلى شعبة العلمي رياضة _ رغم أنها لا تحب الرياضيات _ لتلتحق بكلية الهندسة حتى ولو بإحدى الجامعات الخاص رغبة منها في أن تكون داخل واحدة مما نطلق عليهم في مصر ” كليات القمة “، ولم يصيب اختيارها بل أنها فشلت في العبور من إحدى الفروع الخاصة بالرياضة، وهنا راوضتها إحدى الفكرتين، إما أن تعيد السنة، وإما أن تدخل مرحلة الملاحق، وبالفعل دخلت مرحلة الملاحق وخرجت من الثانوية العامة بإجمالي مجموع 74.5%، كانت صدمة ليست بالسهلة عليها، فحتى حلمها أن تدخل إحدى المعاهد أو الكليات الخاصة بالهندسة أصبح بعيد من متناول يداها، دخلت فاطمة نوبة من نوبات الاكتئاب التي يتوقف عندها الزمن كثيراً فسوء الاختيار هو الألم الذي لا يضاهيه شيئاً.
تقدمت فاطمة إلى الأكاديمية البحرية بأسوان قسم إدارة الأعمال وبسبب الرياضيات قررت أن تتركها، ” كنت أريد أن أدخل هندسة للشكل الاجتماعي ” هذا ما جاء على لسان فاطمة بسؤالها عن رغبتها الشديدة في الالتحاق بكلية الهندسة رغم عدم قدرتها على استيعاب الرياضيات بشكل يتلأم بكلية الهندسة، لتستكين في النهاية إلى رغبة التنسيق الذي ألحقها بكلية الحقوق جامعة جنوب الوادي بقنا، وفي الواقع ظلت بكلية الحقوق ناقمة غير راضية بها تفكر في كلية الهندسة، إلى أن وصلت إلى الفرقة الثالثة والتي فشلت في عبورها وكانت هذه السنة هي الفصل الذي غير مجرى حياتها بالكامل وجعلها ترتب أفكارها، وبالفعل تمكنت من النجاح في العام التالي وأصبحت في الفرقة الرابعة، والتي استطاعت عبورها لتخرج بتقدير تراكمي 64.5%، فشعرت للمرة لثانية بأنها قد قصرت في حق نفسها وأهلها وأدركت أنها من تصنع هويتها وأنها وحدها من تصنع من الكلية التي تحب كلية قمة.
كيف تحقق الحلم والحصول على درجة الدكتوراه ؟
الغريب في مسار فاطمة هو التحول اللافت للأنظار، من طالبة تريد أن تدخل كلية لمجرد الشكل الاجتماعي، استسلمت في نهاية المطاف لحكم التنسيق الذي أورد اسمها في كشوف كلية الحقوق التي كانت غير راضية بها، إلى خريجة تطرق أبواب دبلومة القانون العام تمهيداً إلى درجة الماجيستير، كما دفعها الشغف إلى أن تعمل كمحامية تحت التدريب في إحدى المكاتب الخاصة بالمحاماة، فالشغف يشبه الحمم البركانية يكمن بداخلنا لا ندرك متى من المفترض أن يخرج وفي أي مجال سيتعلق، أثبتت فاطمة بأن من نقرر ونحن وحدنا من نحدد مسئرنا بين كل تلك الدروب الواسعة التي تفرضها علينا الحياة، أثبتت بأن التفوق الدراسي ليس في المجموع ولكنه يكمن في الأسرار على تحقيق الذات.
أصبحت حلقة واحدة لم نتحدث عنها في حياة فاطمة، الحلقة الأكبر في حياة أي ِإنسان وهي والدتها والتي عملت كمدرسة تربية دينية في إحدى المدارس الابتدائية، ومن الجلي مدى صعوبة تربية الفتيات خاصة في الصعيد، فالفتاة هناك تحمل معنى أخر، فهي تحمل بين طياتها حقيقة إثبات حسن التربية من قبل الأهل، وهذا ما حققته والدتها، ربما لم تتمكن والدتها من رؤية ابنتها تبلغ درجة الدكتوراه بعينيها ولكن الأكيد بأن بصيرتها وقلبها ستظل بجوارهما أبد الدهر، يكفي أن يقال بأن فاطمة ابنتها كانت على قدر المسئولية لجعل والدتها فخورة بها دائماً، رحم الله أماً كانت قوية بما يكفي لتخرج من بناتها المثل المشرف والقدوة الحسنة، أما عن السؤال الذي ليس من السهل أن نجد له إجابة فهو، هل نولد بالشغف أم الحياة هي من تهديه ؟!.
من احسن الموضوعات اللي شوفتها في طريقه العرض والكتابه تدل علي شخص مثقف ولديه من الخبره الكثير