عمار علي حسن: «الاحتفاء بالراقصات ولاعبي كرة القدم وتجاهل الأدباء والعلماء».. «لا نريد كأس العالم.. إنما نريد التعليم والصحة وقبلهما الكرامة»

عمار علي حسن: «الاحتفاء بالراقصات ولاعبي كرة القدم وتجاهل الأدباء والعلماء».. «لا نريد كأس العالم.. إنما نريد التعليم والصحة وقبلهما الكرامة»
عمار علي حسن

خلال مقال بعنوان “الاحتفاء بالراقصات ولاعبي كرة القدم وتجاهل الأدباء والعلماء” بجريدة المصري اليوم، تناول الكاتب والباحث في العلوم السياسية “عمار علي حسن”، بعض التناقضات التي تنتشر بالمجتمع المصري خلال الفترة الماضية، ألا وهي الاهتمام الكبير بأخبار الفنانين ولاعبي كرة القدم، وتجاهل العلماء والأدباء.

حيث سلط الضوء على وفاة العالم الكبير الدكتور «عادل محمود»، أستاذ الأمراض المعدية، الذي أفنى عمره في الأبحاث الطبية، والذي اكتشف لقاح فيروس الورم الحليمي البشرى المسبب لسرطان عنق الرحم، وكذلك لقاح فيروس الروتا المسبب للإسهال عند الرضع وحديثي الولادة، والذي استطاع بتلك الاكتشافات من إنقاذ حياة الملايين من الموت المحقق، وبينما كان الإعلام المصري ومصر كلها مشغولة بمباريات المنتخب المصري في مونديال روسيا، كان العَالم ينعي العِالم الراحل لأنهم يعرفون ويقدرون ما قدمه من إسهامات أفادت البشرية، وكان من بين أولئك الذي نعوه وعبروا عن بالغ حزنهم لرحيله “بيل جيتس” مؤسس مايكروسوفت.

(1)

دون أن يلتفت إليه إعلامنا المشغول بالرقص والطبل والكرة توفى قبل أيام العالم الكبير د. عادل محمود، المتخصص فى الأمراض المعدية، والذى ساهم فى إنقاذ حياة الملايين من خلال إنتاج لقاحات ضد فيروسات الورم الحليمي البشرى المسبب لسرطان عنق الرحم، وفيروس الروتا المسبب للإسهال المفرط عند الرضع. وبينما كان التجاهل يلف الراحل فى صحافتنا المحتضرة، كان الكبار في العالم يعبرون عن حزنهم العميق لهذا الرحيل، وها هو بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت العملاقة يغرد لنعيه، والإتيان على ذكر إسهاماته العظيمة التى أنقذت الملايين من البشر، لاسيما الأطفال الأبرياء.

(2)

تصادف وجودى ذات يوم بندوة فكرية استضافتها إحدى الطرق الصوفية تحدث فيها ممثل نافق ثورة يناير فمدحها، ثم ساير الموجة فقدح فيها، ورأيته يقول إن الذاكرة لن تبقى أحدا غير الفنانين، وإن كل الموجودين تحت الأضواء الآن فى السياسة والإعلام وغيرهما سيلفهم النسيان، ثم راح يذكر أسماء الممثلين الكبار الراحلين. لم أستطع السكوت على هذا الهراء، فقلت له: شىء عجيب أن تقول هذا، وكأن الفنان هو فقط الممثل، وليس الفنان التشكيلي والأديب، وكل مبدع فى أى مجال، وكأن الأجيال القادمة ستنشغل بعبد الفتاح القصرى أكثر من انشغالها بطه حسين وسعد زغلول. ولو جرى هذا سنكون قد غرقنا حتى نواصينا فى مستنقع الضحالة والتفاهة. ورغم أننى أستمتع وأقدر دور الممثلين الكبار فى حياتنا، لكنني أضعه في حجمه الحقيقي، وهم معه، ويبقى لي أنه من المؤسف أن يخط على أفيش الفيلم اسم مؤلف الرواية التي قام عليها العمل ببنط لا يكاد يُقرأ، بينما يكبر اسم أو صورة راقصة لتقتحم عيون الناظرين.

ورحم الله الفنان الكبير، المتسق مع ذاته، عمر الشريف، الذي قال ذات يوم إن الحياة عجيبة لأنها جعلت شخصا مثله شهيرا وثريا، مع أنه لم يفعل سوى ترديد كلمات، لم يكتبها هو، وإعادتها مرات ومرات أمام الكاميرا، بينما هناك من يوجهه فى كل حرف، وكل حركة.

وتذكرت فى هذه اللحظة ما جرى بين العقاد وشكوكو، فالكاتب الكبير حين سأله أحد الصحفيين ذات يوم عن شكوكو، قال: لا أعرفه. فلمَّا نُشر الحوار، اغتاظ شكوكو من جهل العقاد به، فطلب حوارا مع أحد المحررين الفنيين، وقال: أطلب من العقاد الذي لا يعرفني أن يقف على الرصيف الأيمن في شارع سليمان باشا، وأنا سأقف على الأيسر فى مواجهته، ولنرى على من يجتمع الناس. ولما وصل هذا القول إلى العقاد، ضحك ساخرا، وقال: لا بأس، ليبق هذا الشكوكو فى مكانه على الرصيف، ولتقف فى مواجهته فتاة عارية، ولنرى على من سيجتمع الناس.

هذه قاعدة يُستثنى منها، بالطبع، ممثلون آمنوا بأن ما يفعلونه يشكل قيمة مضافة للحياة، يتلمس فيها الناس المتعة والفهم والإبانة، وكانوا على دراية ومعرفة، ولم يجعلوا من أدائهم مجرد وسيلة لجمع مال يتيهون به على خلق الله، أو لتحصيل شهرة زائفة.

(3)

حين تمرد اللاعب عماد متعب على مانويل جوزيه ذات مرة، استدعاه غاضبا، وقال له: أتعجب من غرورك، وكأنك تفعل شيئا مهما، أنت لست مدرسا ولا كاتبا ولا طبيبا ولا مهندسا، إنما أنت، وأنا معك، مثل العاملين في السيرك، وظيفتنا هي إمتاع الناس بعض الوقت، حتى ينصرفوا هادئين إلى أعمالهم التي تضيف إلى الحياة.

(4)

أهم ما لفت انتباهى فى مشاركتنا المخجلة فى مونديال روسيا هو لوحة مكتوبة باللغة الإنجليزية، رفعتها فتاة مصرية قبل أن يخوض منتخبنا مباراته الأولى، تقول: «لا نريد كأس العالم، إنما نريد التعليم والصحة وقبلهما الكرامة».