المشتقات المصغّرة: عقود المايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة لتحوّط المحافظ الصغيرة

تُمثّل المشتقات المالية المصغّرة (Micro Derivatives) مثل عقود مايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة تطورًا مهمًا يتيح للمتداولين الأفراد أدوات جديدة لإدارة المخاطر. عادةً ما تتطلب العقود الآجلة والاختيارات التقليدية رؤوس أموال كبيرة بسبب أحجام عقودها القياسية، مما كان يحدّ من قدرة صغار المستثمرين على الاستفادة منها. أما العقود المصغّرة فتقدّم نسخة بحجم أصغر من هذه الأدوات، مما يسمح بمشاركة أوسع للمستثمرين الأفراد في الأسواق المالية. وقد ساهمت منصات التداول مثل اكسنس (Exness) في تسهيل الوصول إلى هذه الأدوات، من خلال تقديم بيئة تداول مرنة وداعمة للمشتقات المصغّرة. في هذا المقال المبسّط، سنشرح مفهوم عقود المايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة، وكيف أنها توفّر وصولًا أسهل مقارنةً بالعقود التقليدية، ودورها الفعّال في تحوّط المحافظ الصغيرة، بالإضافة إلى استعراض استراتيجيات الخيارات المصغّرة والتحوط العملي التي يمكن للمتداولين تطبيقها لحماية استثماراتهم.

ما هي عقود المايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة؟

عقود المايكرو فيوتشر (Micro Futures) هي عقود آجلة تكون قيمتها الاسمية وحجمها أصغر بكثير من العقود الآجلة التقليدية. فعلى سبيل المثال، عقد مايكرو E-mini S&P 500 يمثّل حوالي عشر (1/10) حجم العقد المستقبلي E-mini المعتاد. أطلقت مجموعة CME هذه العقود المصغّرة عام 2019 لتلبية احتياجات المتداولين الذين يرغبون في التعرض للأسواق بنطاق أصغر دون الحاجة لرأس مال كبير. لذلك يُمكن اعتبار أي عقد مايكرو فيوتشر نسخة مصغّرة من العقد الآجل القياسي، تتداول ضمن البورصة وتخضع لنفس القواعد ولكن بنقاط سعر أصغر ومتطلبات هامش أقل.

أما الخيارات المصغّرة (Micro Options) فهي عقود خيارات حجمها أصغر من العقود القياسية، سواء على الأسهم أو على العقود الآجلة المصغّرة. في سوق الأسهم الأمريكية مثلًا، يوجد ما يُعرف بالخيارات “الميني” التي تمثل 10 أسهم فقط بدلًا من 100 في العقد القياسي. توفر بعض البورصات أيضًا خيارات مصغّرة جدًا “ميكرو” لتلبية احتياجات صغار المتداولين الذين يملكون حسابات محدودة ويرغبون في ضبط حجم انكشافهم للسوق. هذه الخيارات بحجم العقد الأصغر تمكّن المستثمر من دخول سوق الخيارات بكلفة أقل بكثير، مما يفتح الباب لمشاركة المستثمرين الصغار في أسواق كانت تبدو بعيدة المنال سابقًا. بفضل ذلك، يمكن استخدام الخيارات المصغّرة للتحوّط بشكل أكثر دقة نظرًا لإمكانية اختيار حجم عقد يناسب حجم المحفظة تمامًا.

وصول أسهل للمتداولين الأفراد مقارنة بالعقود التقليدية

أحد أبرز فوائد المشتقات المصغّرة هو خفض الحاجز المالي للدخول في أسواق العقود الآجلة والاختيارات. فبدلًا من الحاجة إلى مبالغ كبيرة للتداول في عقد مستقبلي قياسي أو عقد خيار كبير، أصبح بإمكان المتداول برأس مال صغير أن يشارك بشكل فعال. فعقود المايكرو فيوتشر غالبًا ما تكون مسعّرة عند جزء بسيط (مثل عشر أو حتى خمس) من قيمة العقود التقليدية، مما يسمح بشريحة أوسع من المستثمرين بدخول السوق. على سبيل المثال، عند إطلاق عقود المايكرو E-mini، تم تسعيرها عند 1/10 من قيمة عقود E-miniالأصلية، الأمر الذي أتاح لعدد أكبر بكثير من المستثمرين فرصة التداول بالمؤشرات الرئيسية. كذلك أعلنت CME عن عقود مايكرو مستقبلية للبيتكوينبحجم يعادل 1/50 من عملة بيتكوين فقط، وذلك لجذب المستثمرين ذوي الميزانيات الصغيرة وإشراكهم في سوق العملات الرقمية. هذا الحجم الصغير يعني أيضًا متطلبات هامش أدنى بكثير؛ فبعض الوسطاء يتيحون فتح مراكز على مؤشر S&P 500 بما لا يتجاوز 25 دولارًا كهامش لكل عقد مايكرو، مما يقدّم طريقة فعالة للتحوّط دون تكاليف باهظة. باختصار، بفضل العقود المصغّرة بات الوصول إلى أسواق المشتقات أكثر سهولة ومرونة للأفراد مقارنةً بالعقود التقليدية ذات التكلفة والرافعة العالية.

دور المشتقات المصغّرة في تحوّط المحافظ الصغيرة

تلعب عقود المايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة دورًا مهمًا في إدارة المخاطر للمحافظ الصغيرة عن طريق تمكين التحوّط بطريقة أكثر دقة وتخصيصًا. سابقًا، قد يجد المستثمر الفرد الذي يملك محفظة صغيرة نفسه غير قادر على التحوّط باستخدام العقود الكبرى لأنها تغطي حجمًا يفوق محفظته بكثير. الآن، يمكن باستخدام الأدوات المصغّرة تحجيم انكشاف التحوّط ليناسب حجم المحفظة تمامًا. فعقود المايكرو الآجلة تمنح القدرة على حماية أجزاء صغيرة من المحفظة أو تقليل التعرض الكلي للسوق بشكل تدريجي دون التزام برؤوس أموال كبيرة. على سبيل المثال، يستطيع المستثمر الذي يخشى انخفاضًا في السوق بيع عدد قليل من عقود المايكرو فيوتشر على مؤشر معين لموازنة مخاطر محفظته؛ وقد أشار محللون إلى أن بعض المتداولين يلجؤون إلى العقود الآجلة المصغّرة تحديدًا كوسيلة للتحوّط من التعرض لمخاطر السوق العامة ضمن محافظهم. كذلك الأمر بالنسبة للخيارات المصغّرة، فهي توفر مرونة أعلى في إدارة المخاطر: يمكن شراء عقود خيار بحجم أصغر لتغطية مقدار محدد من الأصول، مما يمنح دقة أكبر في التحوّط وتجنب التحوّط المفرط. وقد أكّد خبراء أن القيمة الاسمية الصغيرة لهذه العقود تجعلها أدوات أكثر قابلية للمناورة عند إدارة وتقليل المخاطر في المحافظ الصغيرة.

استراتيجيات عملية باستخدام العقود المصغّرة (خيارات ومايكرو فيوتشر)

بعد فهم المفهوم والأساسيات، من المهم استعراض بعض استراتيجيات التحوّط العملية التي تتيحها هذه الأدوات المصغّرة. فيما يلي استراتيجيات الخيارات المصغّرة والتحوّط التي يمكن للمتداولين الأفراد تطبيقها لحماية أرباحهم والحد من الخسائر:

بيع خيار شراء (Call) لحماية الأرباح: إذا كان لديك أصل (مثل أسهم أو صندوق مؤشر) حقق مكاسب جيدة، يمكنك بيع خيار شراء مغطى على ذلك الأصل بسعر تنفيذ أعلى قليلًا من السعر الحالي. هذه الاستراتيجية المعروفة بـ”الCovered Call” تولّد دخلًا إضافيًا عبر قسط الخيار الذي تتلقاه مقدّمًا. هذا القسط يعمل كعازل يحمي جزءًا من أرباحك في حال تراجع السعر لاحقًا. وإن واصل السعر الارتفاع وتجاوز سعر التنفيذ، فسيتعيّن عليك بيع الأصل بالسعر المتفق عليه، مما يعني أنك قمت عمليًا بتأمين أرباحك حتى ذلك المستوى (بالإضافة إلى احتفاظك بقسط الخيار كربح إضافي). بهذه الطريقة يساهم بيع خيار الشراء في تحوّط الأرباح؛ فأنت إما تحتفظ بالقسط إذا لم يرتفع السعر كثيرًا، أو تبيع الأصل بربح محدد مسبقًا إذا ارتفع كثيرًا.
شراء خيار بيع (Put) للتحوّط من الهبوط: يعد الخيار البيع (Put) بمثابة بوليصة تأمين على محفظتك. يمنحك شراء خيار البيع الحق في بيع أصل معين (كالسهم أو وحدة الصندوق) بسعر تنفيذ محدد خلال فترة معينة، بغض النظر عن انخفاض السعر السوقي بعد ذلك. تستخدم هذه الاستراتيجية وقائيًا لحماية قيمة محفظتك من الانخفاضات الحادة؛ فمثلاً، إذا كنت تملك سهمًا تخشى انخفاضه، يمكنك شراء خيار بيع بسعر تنفيذ أقل قليلًا من سعر السهم الحالي. إذا هبط السعر دون هذا المستوى، تستطيع تفعيل الخيار وبيع السهم بالسعر المتفق عليه (الأعلى من السعر السوقي)، مما يحدّ من خسارتك. صحيح أنك تدفع تكلفة القسط مقابل هذا التأمين، لكن الكثيرين يرونه ثمنًا مقبولًا مقابل راحة البال وحماية المحفظة من تقلبات كبيرة محتملة.
استخدام عقود مايكرو فيوتشر لموازنة مخاطر السوق: في حال كانت محفظتك تضم استثمارات مرتبطة بالسوق بشكل عام (مثل غالبية الأسهم تتبع مؤشرًا معينًا)، يمكنك استخدام عقود المايكرو فيوتشرلتحقيق تحوّط لمحفظة صغيرة بطريقة فعّالة. فمثلاً، لو كان لديك محفظة أسهم متنوعة وتشعر بالقلق من انخفاض السوق ككل، يمكنك بيع عدد ملائم من عقود المايكرو المستقبلية على مؤشر السوق (مثل عقود مايكرو E-mini على S&P 500). ميزة العقود المصغّرة هنا هي أنك تستطيع بيع عقود بقيمة إجمالية صغيرة تتناسب تقريبًا مع حجم تعرض محفظتك، مما يجنبك التحوّط الزائد أو الناقص. وقد أثبتت التجربة العملية أن استخدام العقود الآجلة المصغّرة بهذا الشكل يتيح التحوّط الجزئي المرن للمحفظة؛ أي حماية استثماراتك من تراجع السوق دون الحاجة لتصفية مراكزك الأساسية. وبالمثل، يمكن أيضًا استخدام عقود مايكرو فيوتشر لزيادة الانكشاف (التحوّط الإيجابي) في حالة رغبتك في تعزيز مركزك ضد مخاطر ارتفاع الأسعار، وذلك بشراء عقود مايكرو إضافية لتعزيز العوائد عند الصعود.

الخلاصة

باختصار، لقد قدّمت عقود المايكرو فيوتشر والخيارات المصغّرة وصولاً جديدًا وميسّرًا للمتداولين الأفراد إلى عالم المشتقات المالية. فهي تسمح لهم بالمشاركة في استراتيجيات التحوّط وإدارة المخاطر التي كانت في الماضي مقتصرة على أصحاب المحافظ الكبيرة وصناديق الاستثمار. بفضل هذه الأدوات المصغّرة، بات بإمكان المستثمر الصغير تحوّط المحافظ الصغيرة بكفاءة أكبر وبتكلفة أقل، سواء عبر توليد دخل إضافي وحماية الأرباح من خلال بيع الخيارات، أو الوقاية من الخسائر عبر شراء الخيارات الوقائية، أو موازنة انكشاف السوق باستخدام العقود الآجلة المصغّرة. إن فهم واستخدام هذه الاستراتيجيات البسيطة والفعّالة يمنح المتداول الفردي أدوات عملية للتحكّم بمخاطره في مختلف ظروف السوق، مما يرفع من مستوى الأمان المالي والثقة في رحلته الاستثمارية.