تلك الأيام التي نعيشها قاسية علينا جدًا، لن تُجملها صورة بيانية في فقرة من رواية ما كما نرى في أدب المدائن الفاضلة، فالأمر أكبر من ذلك
الحقيقة أن العالم أصبح مُخيفًا بما يكفي لصناعة فيلم يتجرد أبطاله من الإنسانية ويتركه المشاهدين مللًا من فرط ابتذال واقعيته، العالم في طريقه لديستوبيا أكحل من روايات جورج أورويل، داري برادبري، ودكتور أحمد خالد توفيق.. أسود من تلك التي يكتبونها على الورق!
نظمت الجامعة الأمريكية بميدان التحرير منذ أربعة أيام -السبت 25 فبراير- ندوة ثقافية بالقاعة الشرقية من الحرم الجامعي تحت عنوان “رواية الديستوبيا” ضمن برنامج الموسم الثقافي العربي بقسم الحضارات العربية والإسلامية، بالتعاون مع مؤسسة بايارد دودج.
وكان ضيوف الندوة كُلًا من الكاتب محمد ربيع صاحب رواية “عُطارد” التي نُشرت بدار التنوير منذ عامين، ونائل الطوخي الصحفي بموقع مدى مصر الإلكتروني وروايته “نساء الكرينتينا” الصادرة عام 2015 عن دار ميريت. كما كان مُقررًا أيضًا حضور الكاتبة بسمة عبد العزيز مؤلفة رواية “الطابور” غير أن مُنظمي الحفل اعتذروا في بدايتهِ من حضورها لتعرضها لحادثٍ مروري وهي في طريقها للمشاركة في الندوة.
ديستوبيا، أو أدب المدينة الفاسدة، أو عالم الواقع المرير. هو شِق أدبي عادة ما تكون أحداثهُ مُخيفة، أو غير مرغوب فيها، أو تُنبأ بانحطاط كارثي في المجتمع.
برز في كتابته عربيًا في السنوات الأخيرة د. أحمد خالد توفيق من روايتيه “يوتوبيا” و “في ممر الفئران”، حيثُ عرض في الروايتين وصدَّر من خلالهما تصورًا لأحداث مستقبلية مضخمة للانقسامات الطبقية والمجتمعية في مصر والعالم حسب مصادر القوة والنفوذ في المجتمع.
وتعتبر الديستوبيا عالمًا أدبيًا جديدًا وجريئًا، حتى أن نائل الطوخي كان قد ذكر أثناء مناقشة روايته أنه لما انتهى من كتابة نساء الكرينتينا، وحتى بعد نشرها لم يكن على علم بتصنيفها الديستيوبي!
رواية عُطارد هي الرواية الثالثة للكاتب الشاب محمد ربيع بعد روايتيه “كوكب عنبر” و “عام التنين”، وكانت قد وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العام الماضي
تدور أحداث الرواية في المستقبل القريب، وبالتحديد سنة 2025. حيث كانت القاهرة وقتئذٍ تحت الاحتلال، حيث لا حُب ولا كراهية ولا انتماء ولا تعاطُف، والناس في حالة من فقدان الوعي الدائم!
أما رواية نساء الكرينتينا فأفضل مُختَصَر وتقديم لأحداثها كان قد كتبه أحدهم على صفحته الشخصية بموقع فيس بوك، حين قال:
“بدلًا من الحنين الأبله لمصر الملكية الحلوة أو أيام الناصرية الذهبية من 60 سنة، اقرأوا رواية بيرة في نادي البلياردو لتعرفوا كيف كانت مصر آنذاك. وإذا كان لديكم فضول لمعرفة مصيرها خلال ستين سنة إذا استمرت دون إصلاح أو ثورة، فاقرأوا رواية نساء الكرينتينا”.
في إشارة منه إلى سوء ما سوف نصل إليه من خلال الرواية.
فالرواية تتناول عشوائيات المجتمع المصري، وبالأخص السكندري في إطار كوميدي أسود. جيل يأتي وجيل يذهب وتظل منطقة الكرينتينا وأهليها يترقبون وصول المهدي المنتظر!
ناقش الكاتبان وطرحا رؤيتهما من خلال رواية كُلًا منهما أثناء انعقاد الندوة وانتهت. فـ تُرى من يتسيد في النهاية وتعلو كلمته؟ عالم الديستوبيا، العالم الخيالي المسطور على الورق؛ أم أن عالمنا سيكون له رأي آخر وينتصر ونهلك جميعًا؟!