المظاهِرُ خَدَّاعات، وبعض الوجوهِ زائفة.. تحسبها من فرط زينتها جميلة، وما هي بجميلة!
والناس يميلون للجمال، وبعضهم مَن يُفتَنُ بِه. فترى الناس يتسرعون في حكمهم على مشاعرهم تجاه بعض الناس ويقعون في الحب.
ومن هنا تبدأ الحكاية، حيث ينتهي في الغالب كل شيء.. “بحبك”!
قيل في الأثرِ عن المُتيَّمين من أهل الحجاز، أن قيسًا بن ذُريح هام على وجههِ بعد أن أَحَب لُبنى وعشقها وتزوجها، ثم طلقها لكونها لا تلد. وصار بعد طلاقها يُنشد الأشعار ويأنس الوحوش ويتغنى بحبهِ العذري!
فهمَّت لُبنى على الزواج بعده، فتزوجت. ولما أتاهُ خبرها سقط مُغشيًا عليه، وحين أفاق أنشد:
وإنِّي لمُفنٍ دَمْعَ عَيْنِيَ بِالْبُكَا * حذارًا لما قد كان أو هو كائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي * بكفي إلا أن ما حان حائن
و قالوا غدًا أو بعد ذاك بلية * فراق حبيب بان أو هو بائن
ولما مرت فترة من الزمان ساءت أحواله وهام مجددًا بعد أن رآها. فخيرها زوجها بين أن تبقى معه أو أن يُطلِّقها لترجع إلى قيس -وكان زوجها شديد المروءة- فاختارت أن تُرَّد إلى قيس. غير أنها بعد الطلاق وأثناء شهور العِدة ماتت، وحين بلغ قيس ذلك وقف على قبرها وأنشد:
ماتَتْ لُبَيْنَى فموتها موتي * هَلْ تَنْفَعَنْ حَسْرَة ٌ على الفَوْتِ
وَسَوْفَ أبْكِي بُكَاءَ مُكْتَئِبٍ * قَضَى حياة ً وجدًا على مَيْتِ
ثم بكى حتى أغمى عليه، ومات على إثرها ابن ذُريح.
من ينظرُ بغير عين الحُب، لا يُبصِر ما يُبصِرهُ غيره.
قال الإمام ابن حزم الأندلسي عن الحب: “الحُبُّ -أعزك الله- أولهُ هَزلٌ وآخره جِدٌّ. دُقَّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا محظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل.”
ومن لا يدرك ذلك فهو مُخطئ، لأن ذاك هو الحب الحق.
أما ما يصير اليوم ممن نراهم يتهتكون في خطواتهم ويرققون أصواتهم حتى تكاد أنك لا تميز صوتُ الرجل من صوتِ محبوبته فهي مشاعرٌ زائفة، أو ربما أنها من الأساس لا تندرج حتى تحت تصنيف الشعور!
ومن منا ليس بحاجة إلى شريك يُقاسمهُ الحُزن بوقتهِ والفرح بلحظاته، ويشارك في حياتهِ معه كل تفصيلة كبيرة وصغيرة؟
الحقيقة أن جميعنا بحاجة إلي الاهتمام، إلى حُبِّ شخصٍ بعينه، إلى عناقٍ مُطَّولٍ من أحدٍ نعرفه.. أو ربما أحد نجهله!
جميعنا بحاجة إلى من يسمعنا دون تأففٍ أو تذمر. بحاجة إلي من يحتضن شكوانا، من غير شكوى. بحاجة إلى من يعتني بمشاعرنا، لا من يربتُ على أكتافنا، ويلتفِتُ ليربِتُ على كتفٍ آخر!
لكن هذا الكلام لن يتحقق إلا إذا كان بضوابطٍ وشروط. كلمة الحُب في المُطلق تعني شيئًا كبيرًا، إنها أصل من أصول الحياة، بل أنها حقيقة راسخة من حقائق الإيمان. فلا يليق أن تُمسَخ وتنحصِر الكلمة في ميل الذكر للأنثى، وللناحية الحسِّية فيها فقط.
لقد أصبحنا في فقرٍ مُدقع إلى الحُبِّ بمعانيهِ السامية التي أُوردت إلينا، بمعانيهِ النبيلة التي كان يُضرَب لنا من قديمها في كل دربٍ منها مثلا.
الحُبُّ لا يفوز به إلا عقل يدرك وقلب يهيمُ شوقًا، جسم يتحرك وروح تتسامى.. الحُبُّ لا يفوز بِه إلا إنسان حي.
الحُبُّ هو أن تتبادلا الود، فلا يدري أحدكما أي الوُدينِ كان أسبق.
الحُبُّ هو امرأة لم يؤتى الناس منك عنها خبرًا.
الحُبُّ هو رجل شهد له الناس بالإيمان، فعلموا أن زوجتهُ صالِحَة.
الحب لا يحتاج إلى عيدٍ لإحيائه، وإنما يحتاج لأتباع ينفخون في صورتهِ ليُبعثُ من جديد.