لا تخلو مباريات الديربي التي تجمع قُطبي الكرة المصرية (الأهلي والزمالك) في كل مرة من الإثارةِ والمُتعةِ معًا. كانا يلتقيان متى التقيا طوال تسعين دقيقة دائمًا ما كانت حافلة ومتحلاة بالحماس من الجماهير وبعضهم، وحتى قبل بدء اللعب. عوضًا عن اللاعبين.
مائة عام مضت على أول لقاءٍ جمع الفريقين، وبالتحديد في التاسع من فبراير عام 1917 حين انتهى بفوز الأهلي بهدفٍ مقابل لا شيء كان أحرزه عبد الحميد مُحرَم. كانت مباراة ودية.
ولكن على غير العادة تجرد لقاء القمة هذه المرة من كل ما سبق ذكره!
فكانت من غيرِ إمتاعٍ أو حماس غير في بعض اللحظات القليلة جدًا والتي لا ترتقي أو تليق بتطلعات جماهير الناديين، ولا طموح أيٍ من أحدهما إن كانا بالفعل يسعيان للتتويج باللقب. وكأن لعنة “فبراير الأسود” حلَّت على الجميع!
بأداءٍ باهت حسم نادي الزمالك بطولة كأس السوبر المصري للمرة الثالثة في تاريخهِ على حساب الأهلي صاحب التسعة ألقاب من نفس البطولة، والذي بدا وكأنهُ لم يحضر أيضًا في مباراةٍ انتهى وقتها الأصلي بالتعادل السلبي واحتكم فيها الفريقان لضربات الترجيح ليستغلها الأول بالفوز بنتيجة 3/1 في النهاية لصالحه.
أجواءٌ صاخبة، واحتفاء بالجميع واحتفالاتٍ كُثُر سبقت المباراة كالعادة من قِبَل دولة الإمارات البلد المضيف والحاضنة لكأس السوبر المصري للسنة الثانية على التوالي، بعد أن لاقى التنظيم على أرضها العام الماضي في نفس الحدث -والذي جمع بين طرفي المباراة هذه أيضًا- مردودًا طيبًا واستحسان وإشادة غالبية الناس. ولما لا؟ “اللي يلاقي دلع ومايتدلعش!”.
لكن يبقى جمال وسحر كرة القدم يكمن في لَذةِ الانتصار وحسرات الهزيمة واستفزاز اللاعبين لبعضهم والالتحام والإهانات الكروية؛ بل وربما الكيد في بعض الأحيان!
وتلك الصفات لا تجتمع عند كل اللاعبين، وإنما يُتقِنُها فقط “صنايعي الكرة” الذي يستدرج الخصم للوقوع في الخطأ، ومن ثَمَ فقد أعصابه وتشتت تركيزه ليتسنى له اللعب بأعصاب “باردة” وجَر غريمه في النهاية إلى الهدف الذي يودُ الحصول عليه.
ولعل كان أكثر اللاعبين صنعة في اللقاء الأخير هو محمود جِنِّش حارس مرمى الزمالك.
بدا من وقت نزوله لأرض الملعب معرفة ما يريده بالضبط. فقد كان واضحًا منه محاولات استفزازه للاعب مؤمن زكريا بالتحديد في الشوط الأول، حين تصدى لإحدى الكرات وأتبعها بغمزِ عينه وإخراج لسانه له؛ وتكرر الموقف مع نفس اللاعب عندما احتكم الفريقين لضربات الجزاء، وكان جِنِّش يمسك بالكرة. فظل محتفظًا بها بعض الوقت رغم استعداد مؤمن لتصويب الركلة الأولى والأهم لفريقه، ومن بعدها ألقاها على الأرض بطريقة من الظاهر أنها استفزت اللاعب وأصابتهُ بالتوتر. فقد أضاعها بالمناسبة.
وكان جِنِّش على أعتاب مشاجرة أخرى مع لاعب الأهلي النيجيري الجنسية جونيور أجاي بعد أن ادَعى اللاعب الإصابة وأكمل لما أتت بجواره، ونهض وكأن ما مَسهُ شيء. لولا أن تدخَّل الحكم وبعض اللاعبين وواصلوا اللعب من جديد. بعدها بدقائق أضاع أجاي هدف مؤكد في الدقائق الأخيرة من الوقت المُحتَسب بدل الضائع، وكأن أصابهُ الارتباك رغم أن المرمى كان خاليًا تمامًا ومهيأً لاستقبال هدف الكأس.
وما خفي عن عدسات الكاميرات كان أعظم!
تصدى محمود جِنِّش لركلتي الجزاء اللتين تقدم لتصويبهما مؤمن زكريا وصالح جمعة، وأضاع حسام غالي ضربته بعد أن هوى بها خارج العرضتين والقائِم؛ ولم يسجل للأهلي سوى لاعب خط الدفاع أحمد حجازي.
بينما سجل للزمالك كُلًا من باسم مرسي، أحمد رفعت، وأسامة إبراهيم. ولم ينجح شريف إكرامي في التصدي ولو حتى لركلة واحدة!ليكون جِنِّش هو السبب الرئيسي لفوز الزمالك الأول على الأهلي في تاريخ البطولة بعد أربع مواجهات سابقة فاز بجميعها الأخير. وليستحق عن جدارة اللقب الذي منحه الجمهور الأبيض إياه “خير أجناش الأرض”، على الأقل بالنسبة لهم.
عزيزي الجملة تُكتب هكذا: من أين تؤكل الكتف