أعتقدُ بأننا في الماضي كُنّا قُساة بعض الشيء، لم أكن أعلم أن واقع الهزيمة في المباريات النهائية ثقيلٌ على النفسِ هكذا؛ كنتُ ألتفِتُ في كل مرة إلى احتفالات الناس في الشوارع بين الهتافات والطبول والمزامير الأفريقية أثناء زفهم للنصر، ولا أكترِثُ للدموع السوداء التي كانت تهطل على وجنتَيّ منافسينا حتى تبتلُ رِقابهم.
مصر التي لا تعرف الهزائم سقطت؟ يا إلهي، إنه حتى مجرد تذكر تلك اللحظات لشعور قتَّال!
تذكرتُ للتو دموع حارس المنتخب البوركينابي وهي تُذرَف بحُرقة بعد أن تسبب في خسارة فريق بلاده أما مصر في المباراة قبل النهائية من نسخة تلك البطولة والتي انتهت لصالح المصريين بضربات الترجيح، وأحزان المنتخب الغاني حين اغتال محمد ناجي جدو آمالهم وسجل في الدقائق الأخيرة هدف الفوز في مرماهم من المباراة النهائية عام 2010 لمّا أحرز الفراعنة آخر ألقابهم من البطولة آنذاك. وعرفتُ كم كانت قاسية عليهم تلك اللحظة.. ولربما كانت دموع صامويل إيتو وسونج ورفقائهما من قبلها أيضًا، وبالتحديد في نهائي كأس الأمم الأفريقية 2008 هي الأكثر حضورًا في الأذهان ومشاهدةً بين المشجعين لبثها المتكرر طوال الأيام الماضية على المحطات الفضائية بمناسبة تلاقي المنتخبان في النهائي من جديد بعد غياب طال تسعة أعوام. ولكن تلك الأيام بعد ذلك لن تذكر إلا دموع التماسيح المصرية!
كان الناس بعد الهدف الثاني للكاميرون وكأنهم سُكارى، وما هم بسكارى. وكأن فجأةً انتابت الناس قشعريرةً بين ضلعين، واهتزت قلوبهم كفقاعات؛ وانفثأت! كما صَوّر الشاعر أمل دُنقل الخيبة الكبيرة بين أحد أبيات قصائده.
كانت وجوهنا سواهِمٌ وعقولنا سواء، بدت الساعات بعد انتهاء المباراة ثقيلة والأحداث كئيبة. كل الأحداث كئيبة!
وكأن المصريون جميعهم يجربون الحزن معًا لأول مرة بعد أن فرّقتهم مذاهب الحياة وتناءت بينهم الخطوات. حتى صار من يضحك منهم يضحك وحيدًا، ومن يحزن فلنفسه!
فاز منتخب الكاميرون بكأس أمم أفريقيا للمرة الخامسة في تاريخه، وانهزم المنتخب المصري بعد ثلاثة وعشرون مباراة متتالية في نفس البطولة من دون اخفاق.
وتلك كانت الخسارة الأولى المصرية في نهائي البطولة منذ أن انهزمت من أثيوبيا سنة 1962.