حتى وقت متأخر من تجمعنا لم أكن فطنت إلى سر هذا الزحام الشديد الذي حلَّ بمحيط فرع النادي الأهلي بشكل غير طبيعي. إمتلأ الفناء عن آخره بالناس من مختلف الأشكال والألوان، فصار يعج ويضج، يتصاعد الصخب ليخفت قليلًا ثم يرتفع بعد برهه
كان من الصعب أن أخطو خطوة واحدة من مكان ما وقفت لأن الأجساد تورت وانحشرت في كل بقعة، فكنت من حين لآخر أقف على أي مرتفعٍ ألقاه فألقي بنظرة تقفز فوق الأرض المُغطاة باللحم البشري ما بين واقف أو معتلي درابزين النادي أو سورِهِ
كان حملة الأعلام والطبول والمزامير يتتابعون أمامي راكبين أو راجلين، والحشود من حولي صاخبة؛ وكان اللاعبون كل اللاعبون يستقلون حافلة مكشوفة ويردون عليهم التحية.
كنت أظنه مجرد احتفال بالفريق لحصوله على الميدالية البرونزية في النسخة الأخيرة من بطولة كأس العالم للأندية باليابان آنذاك، غير أن أصوات الآلاف المؤلفة من الرجال والنساء غير الأطفال وهم يصيحون ويهتفون في آنٍ واحد كانت تشير لغير ذلك: “ياي ياي ياي يا تريكة”، وكأن الجميع جاؤوا فقط ليحتفوا بمحمد أبو تريكة وحده!
في السنوات الأولى بعد ثورة يناير واجهت البلاد أحداثًا مجنونة وأخرى عظيمة، جلَّ فيها شأن بعض الناس وانتكس فيها شخص آخرين، ولما كان اختيار القليلين يتحرك مرة صوب الخيار الصحيح ومرة نحو النقيض، كان محمد أبو تريكة لاعب النادي الأهلي السابق ومنتخب مصر سبَّاقًا بالصواب وأدرى الناس أيضًا بالطريق إلى قلوبهم.
وفي الوقت الذي تلقى فيه اللاعب دعوة رسمية من رئيس دولة الجابون لحضور حفلي افتتاح وختام البطولة الأفريقية المقامة حاليًا في بلاده، ومن قبلها دعوة الفيفا إليه لحفل “البالون دور” ممثلًا عن القارة السمراء، أدرجت الدائرة السادسة شمال بمحكمة جنايات القاهرة يوم الخميس الماضي اسم محمد أبو تريكة وأكثر من 1500 آخرين على قائمة الإرهاب لمدة 3 سنوات لاتهامهم بتمويل جماعة الإخوان بقصد القيام بأعمال إرهابية والإضرار باقتصاد البلاد!
ليست المرة الأولى التي يواجه فيها اللاعب مصيبة مثل هذه؛ فقد سبق أن وجَّهَ إليه نفس النظام اتهامات مماثلة في مناسبات مختلفة قبل ذلك، وفي كل مرة كان يتعين على أبو تريكة المواجهة كان حبُّ الناس دَرَّعَ صدرهُ وخَوذَ رأسهُ وحِمى ظهرهُ ومَسكُهُ بالسيف.. وحُبُّ الناس لا يُهزَم.
حب الناس لايهزم لانه من حب الله