“اكتشف أسرار” من باريس.. رمسيس الثاني يُعزز سلطته المطلقة برسائل مسلة الأقصر

في قلب العاصمة الفرنسية، تتكشف الأسرار المدفونة منذ العصور القديمة. أعلن الباحث الفرنسي جان غيوم أوليت بيليتييه، خبير المصريات وعلم الهيروغليفية، عن اكتشاف مدهش يتعلق برسائل سرية على مسلة الأقصر المعروفة، والتي كانت تعكس هيمنة النخبة خلال العصور الفرعونية. هذه الرسائل الخاصة، التي أُقيمت في زمن الفرعون رمسيس الثاني، تقدم رؤية متجددة حول طرق استخدام الرموز لتعزيز السلطة.
اكتشاف أثري في باريس
تقع مسلة الأقصر في ساحة الكونكورد، وهي واحدة من المعالم البارزة في العاصمة الفرنسية، وتتألف من كتلة هائلة من الجرانيت الأحمر يصل ارتفاعها إلى 22.5 مترًا. يعود أصل هذه المسلة إلى معبد الأقصر في مصر، حيث أهداها محمد علي باشا إلى فرنسا كرمز للصداقة بين الدول. تم نصب المسلة في باريس عام 1836، ومنذ ذلك الحين اجتذبت أنظار الزوار وعشاق الثقافة.
على الرغم من أن المسلة تعد واحدة من أبرز المعالم السياحية، إلا أن أحدث دراسة أجريت عليها كشفت عن معانٍ أعمق تتجاوز مجرد الجمالية الظاهرة. يعمل جان غيوم أوليت بيليتييه على تحليل النقوش الهيروغليفية بدقة، مطلقاً العنان لفهم أعمق للرموز المدفونة في تفاصيلها.
رسائل سرية موجهة للنخبة
عمل الباحث أوليت بيليتييه، المنتسب لجامعة السوربون، على دراسة النقوش الهيروغليفية الخاصة بالمسلة أثناء فترة جائحة كوفيد-19. استفاد أوليت من أعمال التجديد التي طالت المعلم الأثري، ما أتاح له فرصة دقيقة لفحص تفاصيل النقوش. نتيجة لهذا العمل المتواصل، اكتشف مجموعة من الرسائل الخفية التي كانت تهدف إلى الترويج للمكانة العليا للفرعون رمسيس الثاني، وفقط النبلاء والطبقة المثقفة كانوا قادرين على فهمها.
تعود النقوش الموجودة على المسلة إلى عمل جان فرانسوا شامبليون، الذي أرسى الأسس لفهم الهيروغليفية في القرن التاسع عشر. ورغم ذلك، فإن اكتشافات أوليت بيليتييه تضيف بعدًا جديدًا لفهم هذه اللغة القديمة، حيث تظهر الرموز كأداة تعبير استخدمها رمسيس الثاني لتأكيد سلطته ونفوذه.
الترويج باستخدام الهيروغليفية
من بين الاكتشافات المثيرة للدهشة، تبرز رسالة على الواجهة الغربية للمسلة، كانت تروج لأفكار رمسيس الثاني بين النبلاء الذين كانوا يتنقلون عبر نهر النيل. اعتبرت الرسالة شكلًا من أشكال الدعاية، وتعمل على وضع السلطة المطلقة للفرعون في مقدمة الاهتمام. يصفها أوليت-بيليتييه بأنها تمثل “بيانًا دعائيًا للسيادة المطلقة لرمسيس”.
إلى جانب ذلك، تسلط النقوش الضوء على أهمية تقديم القرابين في المعتقدات المصرية، إذ كانت العناصر الرمز للآلهة تعتبر وسيلة لضمان استمرار النظام الكوني. استخدم رمز قرن الثور كتحذير من القوة المدمرة للألهة، مما يعكس خشية المصريين من فقدان التوازن في حياتهم.
اللغة كوسيلة تعبيرية
تكشف أعمال الأستاذ أوليت بيليتييه عن نظرة جديدة تجاه الكتابة في الحضارة المصرية القديمة. حيث يؤكد أن النصوص المرئية والمكتوبة لم تكن مستقلة بل شكلت بطبيعتها وحدة لا تتجزأ. هذا المفهوم يتحدى التصنيفات الحديثة بين الكتابة والأيقونات، مما يعزز فهمنا للهيروغليفية كوسيلة فعالة للاتصال والمشاركة البصرية للقوة والسلطة.
ترتبط المسلة بتاريخ يمتد إلى حوالى 1300 قبل الميلاد، حيث تمثل أحد رمزتي المدخل لمعبد الأقصر، والتي كان قد أنشأها الفرعون رمسيس الثاني. بينما لا تزال واحدة من هذه المسلات قائمة في مصر، أُرسلت الأخرى إلى باريس وتبقى شاهدة على إرث الفرعون الكبير وثقافة مصر الغنيّة.
تغييرات في فهم علم المصريات
تقدم نتائج أوليت بيليتييه المثيرة منظورًا متجددًا حول مسلة الأقصر ونقوشها. حيث تُكشف الأبعاد السياسية والدينية العميقة لهذه الأحجية الثقافية، مما يدل على أن الهيروغليفية كانت أكثر من مجرد وسيلة للتواصل، بل كانت تمثل أداة لتأكيد السلطة الإلهية للفرعون. هذا البحث لا يعمق فهمنا للفنون واللغة في الحضارة القديمة فحسب، بل يسلط الضوء على كيفية استخدام المعالم العامة لتأسيس حياة الحُكام.
في ظل تطور علم المصريات وتحولاته المستمرة، يذكرنا عمل أوليت بيليتييه بأن حتى الآثار الأكثر شهرة، مثل مسلة الأقصر، لا تزال تخفي أسرار تستحق الاكتشاف، ما يجعلها مرشحة مستمرة لدراسات جديدة في المستقبل.
بشكل عام، فإن هذا الكشف يعد مثارة شغف جديد لعشاق تاريخ الحضارات القديمة، ويجعلنا نشعر بالحماسة لاستكشاف المزيد حول ما تخبئه لنا الآثار المصرية.