لم يعد البشر النوع الوحيد القادر على إجراء العمليات الجراحية، فقد كشفت دراسة جديدة أن بعض أنواع النمل قادرة على علاج أعضاء مستعمراتها المصابة وحتى بتر الأطراف عند الضرورة، وقد لاحظ باحثون من جامعة فورتسبورغ الألمانية بالفعل أن النمل من النوع الأفريقي Megaponera analis يمكنه علاج أعضائه المصابة بمواد مضادة للميكروبات، وفي التجربة الجديدة، تمت دراسة نمل النجار الفلوريدي (Camponotus floridanus).
قام العلماء بإنشاء جروح في موقعين مختلفين على أرجل هذه النمل (عظم الفخذ وعظم الساق)، ثم أضافوا بكتيريا معدية للجروح ودرسوا كيفية تفاعل النمل معها.
تستطيع النملات اكتشاف إصابة مستعمرة ما والاستجابة وفقًا لشدة الإصابة. وعادة ما يؤدي الجرح في عظم الفخذ إلى البتر، في حين يتم تنظيف الجروح في عظم الساق ببساطة، وفي جروح عظم الفخذ، تقوم النملات بعض الساق في عملية تستغرق حوالي 40 دقيقة، ومع ذلك، لا يتم إجراء مثل هذا التدخل في جروح عظم الساق.
ويشير مؤلف الدراسة إريك فرانك إلى أن هذا النوع من سلوك البتر لا يُرى في أي عضو آخر من أعضاء مملكة الحيوان، فمن بين 24 نملة مصابة بجروح في الفخذ خضعت للبتر، نجت 21، في حين ماتت النملات الثلاث التي لم تخضع للجراحة، وهذا يوضح فعالية التدخل في علاج الجروح الفخذية.
ويعتقد الباحثون أن السبب وراء قيام النمل بمعالجة جروح عظم الفخذ بالبتر هو أن العضلات في هذه المنطقة لها مساحة سطحية أكبر، وهذا يجعل البكتيريا تستغرق وقتًا أطول للانتشار في جميع أنحاء الجسم ويمنح النمل الوقت للتدخل، وفي حالة جروح الظنبوب، تنتشر العدوى بسرعة ولا يكون البتر فعالاً.
ويوضح هذا الاكتشاف المذهل السلوك الاجتماعي المتقدم للنمل، ويقول العلماء إن هذا السلوك له أهمية كبيرة في استراتيجيات البقاء التي تتبناها مجتمعات النمل، وقد تكون هذه الأساليب المتقدمة في علاج النمل مصدر إلهام لحيوانات أخرى وحتى البشر.
إن هذه السلوكيات العلاجية المذهلة والمعقدة التي تتبناها النمل تظهر مرة أخرى مدى تنوع وثراء الصراع من أجل البقاء في الطبيعة، وتساعدنا مثل هذه الدراسات على فهم البنية الاجتماعية واستراتيجيات البقاء لدى النمل والحشرات الاجتماعية الأخرى، ومن المرجح أن تستمر هذه الأساليب العلاجية المتقدمة للنمل في إثارة اهتمام كبير في العالم العلمي.