يحتفل المسلمون في الأول من شهر محرم من كل عام ببداية السنة الهجرية الجديدة. واختيار حدث الهجرة النبوية الشريفة بداية للتقويم الإسلامي له حكاية؟ فكيف ومن بدأ استخدام التاريخ الهجري؟ هذا ما سنتطرق إليه في هذا المقال.
لماذا التقويم الهجري؟
قديما، كان العرب يؤرخون ويقيسون أعمارهم نسبة إلي الأحداث الكبيرة مثل حادثة “عام الفيل”، فيقال ولد في عام الفيل أو حدث هذا قبل عام الفيل بحولين أو بعده بثلاث أعوام وكهذا، وعلى سبيل المثال فمن المعلوم أن رسولنا الكريم ولد عام الفيل.
ومع اتساع الدولة الإسلامية وتباعد أقطارها في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، أصبحت ترد الرسائل فلا يعرف متي صدرت بالضبط أو ما هو تاريخ حدث معين، وفي هذا الأمر يقال أن سيدنا أبو موسي الأشعري هو أول من نبه لذلك الأمر حيث وصلت له رسالة مؤرخة، فلم يدري هل المقصود بتاريخ الحدث هو بالعام الحالي أم بالعام السابق، فبعث يذكر ذلك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب. ويقال أيضا أن رسالة وصلت لسيدنا عمر بن الخطاب من سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه مؤرخة بشهر فلم يدري هل كانت السنة الحالية أم الماضية. هذا استدعي أن يكون هناك تاريخ محدد يمنع هذا الخلط ويسد هذا الخلل.
اختيار الهجرة النبوية كبداية للتقويم الإسلامي:
اجتمع سيدنا عمر بن الخطاب بالصحابة للتشاور وكانت الاقتراحات أن يؤرخ بمولد الرسول صلي الله عليه وسلم أو البعثة النبوية أو حادثة الإسراء والمعراج أو وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم أو الهجرة فاختار سيدنا عمر ابن الخطاب الهجرة النبوية لأنها أسست للدولة الإسلامية ولأنها فرقت بين الحق والباطل. فاتفق الصحابة على اتخاذ الهجرة النبوية من مكة إلي المدينة كبداية للتاريخ الإسلامي ومنهم سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا على ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
وبعد الاتفاق على اتخاذ السنة الهجرية كبداية التأريخ الإسلامي، كان علي عمر بن الخطاب والصحابة اتخاذ الشهر الذي يبدأ به العام.
كانت أسماء الشهور العربية هي المرجع للمسلمين فقد استمروا في استخدامها، ووضح القران الكريم وبينت سنة النبي عليه الصلاة والسلام عددها وترتيبها. فالقران حدد عدد الشهور (أن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا منها أربعة حرم) كما وضح الرسول في قوله (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.). كما أن الإسلام أوقف تبديل العرب للشهور وفق رغبتهم الشخصية لتحليل الشهور المحرمة أو العكس. كما الغي إضافة أيام أو إضافة شهر بهدف تعديل التقويم.
اختيار شهر المحرم كبداية السنة الهجرية:
اقترح بعض الصحابة بدء السنة الهجرية بشهر رمضان لمكانته أو شهر رجب لحرمته ولكن تم الاتفاق على أن شهر محرم بداية العام بعد أن يفرغ المسلمون من أداء الحج.
لذلك تجد انه الرغم من أن التقويم الجديد اعتمد الهجرة وأنها تبدأ بالأول من شهر محرم إلا أن هجرة الرسول كانت فعليا في 6 ربيع الأول، ولكن هجرة المسلمين بدأت قبل ذلك، فقد انتظر الرسول صلي الله عليه وسلم الهجرة حتى يطمأن إلي هجرة المسلمين بسلام كما انتظر أمر الله له بالهجرة.
كانت مشاورات الصحابة رضوان الله عليهم باتخاذ الهجرة النبوية بداية للتقويم الإسلامي في نصف السنة السادسة عشر للهجرة النبوية لذلك كان الأول من محرم سنة 17 هجريا هو أول عام يستخدم التاريخ الهجري في المراسلات. وبالتاريخ الميلادي فان العام الأول الهجري أو هجرة المسلمين وهجرة الرسول صلي الله عليه وسلم يوافق عام 622 م.
تختلف السنة الهجرية عن السنة الميلادية في عدة أمور:
- تعتمد السنة الهجرية على دوران القمر حول الأرض والتي تستغرق الدورة الواحدة 29.5 يوما، ويبدأ الشهر الهجري من لحظة رؤية مولد الهلال وقت المغرب. لذا تختلف الشهور حسب مولد الهلال وإمكانية رؤيته في تلك المنطقة الجغرافية، لذا بعض الشهور الهجرية تكون 29 يوما وبعضها يكون 30 يوما.
- عدد أيام السنة الهجرية 354 يوما أي تقل عن السنة الميلادية بأحد عشر يوما (365 يوما في السنة البسيطة و366 يوما في السنة الكبيسة). لذا فان كل ثلاث سنوات تتقدم السنة الهجرية شهرا كاملا و كل ثلاثون عاما تتقدم سنة.
- نظرا لوجود 11 يوما فرقا سنويا بين السنة الهجرية عن السنة الميلادية، فان شهور السنة الهجرية تتبدل باستمرار خلال فصول السنة وهذا ما نلاحظه مع شهر رمضان الكريم الذي يأت في الصيف ثم يتدرج سنويا 11 يوما حتى يأت في الشتاء وهكذا، وهذا من رحمة وعدالة الله حيث كل منطقة جغرافية تعيش الحدث في مختلف فصول العام ولو كان ثابتا لكن صيام رمضان سهلا على المناطق التي يوجد بها الشتاء ذو النهار القصير وصعب على المناطق التي يوجد بها الصيف مع حره ويومه الطويل.
تلك هي حكاية بدء التقويم الإسلامي وكيفية اختيار حدث الهجرة الهام ليبدأ به تاريخ الإسلام، وهذا وإن دل فإنما يدل على عظم شأن الهجرة ومكانتها والتي كلها دروس في التخطيط والعزم والتضحية وحب مكانة الإسلام في قلوب المؤمنين.