المتتبع الجيد للمشهد الكروي المصري يجد بأن الكرة المصرية تعاني الكثير في الفترة السابقة، ربما تجددت علينا مشاهد لم نكن نراها في عصر الخطيب وحسن شحاتة، ذلك المشهد الذي رأينا فيه الخطيب و حسن شحاتة مُمسكين بأيدي بعضهم البعض مُحياً لجماهير القلعتين الأضخم في تاريخ الكرة المصرية والمتمثلين في الأهلي والزمالك، انزاح هذا المشهد ليظهر لنا مشهد أخر نرى فيه إمام عاشور و وليد سليمان لاعبي الزمالك والأهلي يتشادون ويتجاذبون فيما بينهم ليعبروا بذلك عن سمات المرحلة الكروية التي يعيشها الدوري المصري.
انتقال نيمار وبداية الأزمة
أغسطس 2017 ” نيمار يرغب في الرحيل عن صفوف النادي الكتالوني، هل من الممكن أن يستطيع أي نادي شراء اللاعب بالرغم من قيمة الشرط الجزائي الموضوعة بعقد اللاعب مع برشلونة والتي تتخطى حاجز المائتي مليون يورو ؟، لم يتخطى على النبأ أربعة وعشرون ساعة ووجدنا أن نيمار قد وضع بالفعل 222 مليون يورو في خزينة نادي برشلونة كاسراً بذلك قيمة الشرط الجزائي، ليعلن عن الصفقة الأضخم في التاريخ، حارماً بول بوجبا الذي انتقل إلى مانشستر يونايتد من يوفينتوس الإيطالي بقيمة انتقال حر بلغ 105 مليون يورو، صفقة نيمار كان من شأنها أن تحول مسار التعاقد من حيث المقابل المادي أو حتى من الجانب المعنوي والذي يسكن في طيته الانتماء.
تركي آل الشيخ وبيراميدز
لم تحدث هذه الواقعة أثرها على الدوري المصري مثلما صنعته على الدوريات الأخرى، فسعت الفرق الكبرى بتجديد عقود لاعبيها والبنود الخاصة بها، كذلك رفع الشروط الجزائية لأرقام فلكية لضمان خدمات اللاعب لنهاية عقده، إلى أن وصلنا لعام 2018 وبداية دخول الاستثمار الرياضي في مصر وتحول وقتها نادي الأسيوطي والذي تأسس عام 2008 إلى حِلته الجديدة “نادي بيراميدز” والذي اشتراه وزير الترفيه السعودي المستشار تركي آل الشيخ، لنبدأ بدورنا وكما يُسموه عصر الاحتراف الكروي، ودخول شريك جديد للقطبين، وفي ذات الوقت هو عصر الأموال الطائلة والتي لن تجد لها مبرر …
صلاح محسن داخل الأهلي
بدأت الأزمة في النادي الأهلي بشراء قلب هجوم نادي إنبي الشاب صلاح محسن والذي لم يكن يمتلك من العمر سوى 20 عاماً، وبالتحديد في 30 يناير 2018 أعلن النادي الأهلي انضمام اللاعب إلى صفوفه، كل هذا يدخل في إطار الاستيعاب، الغريب هي قيمة انتقال اللاعب والتي بلغت 37 مليون جنيه مصري، وبلغت قيمة راتبه السنوي 3 ملون جنيه !، نعم لم تتكلف خزينة الأهلي قرشاً واحداً من هذه الصفقة، ولكن التكلفة الحقيقية جاءت من الداخل بين صفوف الناي الأهلي، وصارت التساؤلات تدور حول كيف لهذا الشاب الذي لم يقدم في مسيرته أي إنجاز بعد أن يصبح بهذه القيمة؟.
ونالت الاضطرابات من الفريق لدرجة مطالبة عبد الله السعيد الرحيل من الأهلي وبالفعل غادر اللاعب ذاهباً إلى أهلي جدة السعودية، لم يطل الحال باللاعب في السعودية بسبب تراجع المستوى، دخلت بيراميدز في مفاوضات مع اللاعب للحصول على خدماته وبالفعل انتقل السعيد إلى صفوف بيراميدز في 2019 مقابل 15 مليون جنية قيمة الستة أشهر الأولى و 30 مليون جنية في الموسم صافي من الضرائب، لاعب يبلغ 34 عام وقتها لم يقدم الأداء الأمثل مع أهلي جدة يحصل على هذا المبلغ ؟ّ!.
زيادة أسعار اللاعبين رغم كبر سنهم
هل تعلم عزيزي القارئ أن أبو تريكة صانع الألعاب الأشهر حتى اعتزاله عام 2013، حين أراد تجديد عقده مع الأهلي أخر موسمين له قبل اعتزاله مباشرة، بلغت قيمة عقدة 4 مليون جنية أي 2 مليون جنية في الموسم الواحد!. تجددت الأزمة وحلت بوادرها حين رغب الأهلي في التجديد لأحمد فتحي لاعب الفريق، والذي رغم سنه الذي بلغ 35 عام عرض عليه الأهلي عقد بقيمة 11 مليون جنية في الموسم إلا أن اللاعب رفض، وقرر المغادرة إلا صفوف بيراميدز والذي قدم عقد بقيمة 16 مليون جنية في الموسم الواحد على مدار ثلاثة سنوات قادمة.
انحدار الكرة المصرية
الغريب بأن رغم كل ذلك الأنفاق على الدوري المصري والذي وضع الدوري المصري في المرتبة الثانية من حيث مستوى الإنفاق بمستوى وصل إلى حد 137.98 مليون يورو موزعين على 544 لاعب في 18 فريق، تصدر الأهلي مستوى الإنفاق بمعدل 28.20 مليون يورو، نجد بأن الكرة المصرية في تراجع كبير منذ عام 2010 وحصولنا على أخر بطولاتنا الإفريقية على مستوى المنتخبات.
يعكس هذا التراجع تصنيف المنتخبات العالمي هذا العام، حيث جاءت مصر في المرتبة الواحدة والخمسون عالمياَ والسابعة إفريقياً بعد السنغال، تونس، نيجريا، المغرب وغانا، ربما أصبح علينا أن ندرك أن مستوى الأنفاق لا يعكس نجاحنا على الساحة الكروية، وصلت معدلات الإنفاق على الدوري التونسي 118.25 مليون يورو ومع ذلك يصنف الدوري التونسي كواحد من أقوى الدوريات العربية ليس فقط على المستوى الداخلي ولكن على مستوى البطولات القارية.
خلل التوازن بين الأجر والأداء
تعاني الكرة المصرية الآن بحالة من حالات عدم التوازن بين ما يقدمه اللاعب وبين ما يحصل عليه من راتب سنوي، تقل القيمة التسويقية للاعب في العالم أجمع بتقدمه في السن وعلى النقيض يحدث هذا في مصر، كما بات من الواضح أنه كما جاءت فكرة الاحتراف متأخرة إلى الدوري المصري جاءت أيضاً متأخرة إلى أذهان لاعبيه، فعلى اللاعب أن يدرك بأنه ستعلو قيمته التسويقية كلما كثر عطائه في الملعب ككل محترفين العالم..